وصف النبي صلى الله عليه وسلم للبعث والنشور وأسلوبه في إفهام المخاطبين
قال: {فقلت: يا رسول الله! كيف يجمعنا، بعدما تمزقنا الرياح والبلى والسباع؟!}، وهذه أكبر شبهة كانت لدى المشركين في القديم، وما تزال لدى من ينكر اليوم الآخر إلى اليوم.. قال تعالى: ((وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ))[يس:78]، أنسيت من أين جئت حتى صرت بشراً سوياً، وإذا بك تجادل رب العالمين في شأن النشأة الآخرة ونسيت النشأة الأولى؟!!
ولكن المعلم القدوة والمربي الحكيم صلى الله عليه وسلم -كما قال معاوية بن الحكم السلمي رضي الله تعالى عنه: {بأبي هو وأمي! ما رأيت قبله ولا بعده معلماً مثله صلى الله عليه وسلم} - يضرب المثل من آلاء الله فيقول: {أنبئك بمثل ذلك في آلاء الله عز وجل}، أي: سأضرب لك مثلاً من نعم الله المبثوثة، وآياته المشهودة، يوضح لك كيف سيكون المعاد والبعث، {الأرض أشرفت عليها وهي في مدرة بالية}.، أي: قاعاً أجرد ليس فيه إلا التراب والرمل، {فقلتَ: لا تحيا أبداً} أي: قلت: لن ينبت شيء هنا، كما قال عزير عليه السلام لما رأى بيت المقدس وهو على تلك الحالة، قال الله تعالى: ((أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ))[البقرة:259]، مدة يسيرة (ثُمَّ بَعَثَهُ) وإذا به يشاهد الناس يذهبون ويجيئون، والأسواق ممتلئة، والزراع يزرعون، والعمال يصنعون، ويرى هذه العبرة في نفسه وحماره، ويرى العظام كيف ينشزها الله ثم يكسوها لحماً، وعندها قال: ((أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ))[البقرة:259].
ونحن عندنا عبرة واضحة دالة على البعث والنشور، وهي أمام كل ذي عين لمن تأملها؛ وهي ما هو مذكور في هذا الحديث.قال: {ثم أرسل الله عليها السماء -أي: المطر- فلم تلبث عليك إلا أياماً حتى أشرفت عليها وهي شربة واحدة} أو{ وهي شرية واحدة } كما في بعض الروايات، {ولعمر إلهك لهو أقدر على أن يجمعكم من الماء على أن يجمع نبات الأرض}، أي: أن الله أقدر على أن يجمعكم ويخرجكم من قبوركم، من أن يخرج النبات من هذه الأرض من ذلك الماء.
(فتراها وهي شربة واحدة)، أي: قطعة واحدة خضراء تشرب من ذلك الماء، أو (شرية واحدة)، والشرية في لغة العرب: الحنظلة الخضراء، فكأنها قطعة خضراء واحدة، والمعنى لا يختلف؛ إذ المقصود أنها بعد أن كانت خاشعة هامدة مدرَة مجدبة، أصبحت خضراء يانعة مورقة تسر الناظرين، حدائق ذات بهجة ما كان لنا نحن البشر أن ننبت ولا أن ننشئ ثمرتها.